فصل: فصل في معاني السورة كاملة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في معاني السورة كاملة:

.قال المراغي:

سورة الصافات:
الصافات هم جماعة الملائكة يقفون صفوفا لكل واحد منهم مرتبة معينة في الشرف والفضيلة، والزاجرات زجرا: أصل الزجر الدفع عن الشيء بتسلط وصياح ثم استعمل في السّوق والحث على الشيء، وفي المنع والنهى والمراد بها هنا الملائكة، لأن لهم تأثيرا في قلوب بنى آدم بزجرهم عن المعاصي وإلهامهم فعل الخير، {والتاليات ذكرا} هم الملائكة يجيئون بالكتب من عند اللّه إلى أنبيائه، والمشارق: هي مشارق الشمس بعدد أيام السنة، فهى في كل يوم تشرق من مشرق وتغرب في مغرب، والمغارب كذلك متعددة تعدد المشارق، ولم يذكرها اكتفاء بتعدد المشارق.
الدنيا: مؤنثة الأدنى أي أقرب السموات من أهل الأرض والمارد والمريد، المتعرى عن الخير من قولهم: شجر أمرد: إذا تعرى من الورق، يسمعون: أي يستمعون، والملأ: الجماعة يجتمعون على رأى، والمراد بهم هنا الملائكة، يقذفون: يرجمون، والدحور: الطرد والإبعاد، واصب: أي دائم، والخطفة: الاختلاس والأخذ بسرعة على غرّة، والشهاب: الشعلة الساطعة من النار الموقدة، والثاقب: المضيء.
{فاستفتهم} أي فاستخبر مشركى مكة من قولهم: استفتى فلانا إذا استخبره وسأله عن أمر يريد علمه، أشد خلقا: أي أصعب خلقا وأشق إيجادا، لازب: أي ملتصق بعضه ببعض، وأنشدوا لعلى بن أبى طالب:
تعلّم فإن اللّه زادك بسطة ** وأخلاق خير كلّها لك لازب

{يسخرون} أي يستهزئون، وإذا ذكروا لا يذكرون: أي وإذا وعظوا لا يتعظون، آية: أي معجزة، {يستسخرون} أي يبالغون في السخرية والاستهزاء.
قال الزجاج: الويل كلمة يقولها القائل وقت الهلكة، والدين: الجزاء كما جاء في قولهم: كما تدين تدان.
والفصل: الفرق بين المحسن والمسيء وتمييز كل منهما عن الآخر، احشروا: أي اجمعوا، وأزواجهم: أي أمثالهم وأشباههم، فيحشر أصحاب الخمر معا، وأصحاب الزنا كذلك، واهدوهم: أي دلوهم عليها، والصراط: الطريق، والجحيم: النار، وقفوهم: أي احبسوهم في الموقف، مسئولون: أي عن عقائدهم وأعمالهم، لا تناصرون: أي لا ينصر بعضكم بعضا، مستسلمون: أي منقادون وأصل الاستسلام: طلب السلامة ويلزمه الانقياد عرفا.
النزل: ما يعدّ للضيف وغيره من الطعام والشراب، والزقوم: شجرة صغيرة الورق كريهة الرائحة، سميت بها الشجرة الموصوفة في الآية، فتنة: أي محنة وعذابا في الآخرة، وابتلاء في الدنيا، أصل الجحيم: أي قعر جهنم، طلعها: أي ثمرها، {رءوس الشياطين} أي في قبح المنظر ونهاية البشاعة، والعرب تشبه قبيح الصورة بالشيطان فيقولون: وجه كأنه وجه شيطان، كما يشبهون حسن الصورة بالملك، والملء: حشو الوعاء بما لا يحتمل الزيادة عليه، والشّوب: الخلط، والحميم: الماء الشديد الحرارة، {مرجعهم} أي مصيرهم، ألفوا: أي وجدوا، يهرعون: أي يسرعون إسراعا شديدا.
{من شيعته} أي ممن سار على دينه ومنهاجه، سليم: أي سالم من جميع العلل والآفات النفسية كالحسد والغل وغيرهما من النيات السيئة، والإفك: الكذب، {سقيم} أي مريض، فراغ: أي فذهب خفية إلى أصنامهم، وأصل الروغ والروغان: الميل قال شاعرهم:
ويريك من طرف اللسان حلاوة ** ويروغ عنك كما يروغ الثعلب

باليمين: أي بقوة وشدة، يزفون: أي يسرعون من زفّ النعام، أي أسرع فلما بلغ معه السعى أي فلما بلغ السن التي تساعده على أن يسعى معه في أعماله وحاجات المعيشة، {أسلما} أي استسلما وانقادا لأمر اللّه، تله: أي كبه على وجهه صدقت الرؤيا: أي حققت ما طلب منك، البلاء المبين. أي الاختبار البين الذي يتميز فيه المخلص من غيره، بذبح: أي حيوان يذبح، باركنا عليه: أي أفضنا عليه البركات.^
أصل الإباق: هرب العبد من سيده، والمراد هنا أنه هاجر بغير إذن ربه، المشحون: المملوء، {فساهم} أي فقارع من في الفلك أي عمل قرعة، المدحضين: أي المغلوبين بالقرعة، فالتقمه: أي فابتلعه، مليم: أي آت ما يستحق عليه اللوم، بالعراء: أي بالمكان الخالي، يقطين: أي دبّاء القرع العسلي المعروف الآن وقيل: الموز وهو أظهر لأن أوراقه أعرض.
بفاتنين: أي بمضلين من قولهم فتن فلان على فلان امرأته إذا أفسدها عليه، صال الجحيم: أي داخل في النار ومعذب فيها، الصافون: أي صافو أنفسهم للعبادة، ذكرا: أي كتابا.
كلمتنا: وعدنا، المنصورون: أي الغالبون في الحرب وغيرها، جندنا: أي أتباع رسلنا، والساحة: المكان الواسع. اهـ.. باختصار.

.قال أبو جعفر النحاس:

سورة الصافات:
وهي مكية من ذلك قوله جل وعز {والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا} روى مسروق عن عبد الله بن مسعود وعكرمة عن ابن عباس قالا في قوله تعالى {والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا} هذه كلها الملائكة قال أبو جعفر الصافات جمع صافة كأنه جماعة صافة أي مصطفة تذكر الله جل وعز وتسبحه والزاجرات جمع زاجرة أي التي تزجر السحاب على ما مضى وقال قتادة الزاجرات كل ما زجر عنه كأنه يريد ذوات الزجر ويجوز أن تكون الزاجرات كل ما يزجر عن معاصي الله جل وعز وأن تكون التاليات كل ما يتلو ذكر الله جل وعز وكتبه.
ثم قال جل وعز {رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق} روى أبو ظيبان عن ابن عباس قال للشمس كل يوم مشرق وكل يوم مغرب فتلك المشارق والمغارب وللصيف مشرق ومغرب وللشتاء ولا مشرق ومغرب فذلك قوله جل وعز {رب المشرقين ورب المغربين}.
ثم قال جل وعز {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} [آية 6] على البدل وبزينة الكواكب قال أبو حاتم أعني الكواكب قال أبو جعفر وأجود مما قال أن يكون بمعنى بأن زينا الكواكب فيها ويجوز بزينة الكواكب بمعنى بأن زينتها الكواكب أو بمعنى هي الكواكب.
وقوله جل وعز {وحفظا من كل شيطان مارد} [آية 7] أي وحفظناها حفظا من كل شيطان مارد.
وقوله جل وعز {لا يستمعون إلى الملأ الأعلى} [آية 8] يعني الملائكة قال أبو حاتم أي لئلا يسمعوا ثم حذف أن فرفع الفعل كما قال الشاعر:
ألا أيها اللائمي احضر الوغى ** وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي

ثم قال جل وعز {ويقذفون من كل جانب دحورا} [آية 9] قال مجاهد ويقذفون أي يرمون دحورا أي مطرودين وقال قتادة دحورا أي رميا في النار قال أبو جعفر يقال دحره إذا طرده وباعده دحورا ودحرا ويروى عن أبي عبد الرحمن أنه قرأ {دحورا} بفتح الدال والمصادر على فعول قليلة وقال بعض النحويين ليس بمصدر ولكنه بمعنى بما يدحرهم ولو كان على ما قال لكان بدحور أي بمباعد.
ثم قال جل وعز: {ولهم عذاب واصب} [الاية 9] قال مجاهد وقتادة أي دائم.
ثم قال جل وعز {إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب} [آية 10] يقال خطف الشئ إذا أخذه بسرعة فأتبعه شهاب ثاقب قال الحسن ومجاهد وقتادة وأبو مجلز ثاقب أي مضئ قال أبو جعفر وهذا مشهور في اللغة كما قال:
وزندك أثقب أزنادها

وقوله جل وعز: {فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا} [آية 11] قال مجاهد والضحاك يعني السموات والأرض والبحار قال أبو جعفر يجب أن يكون داخلا في هذا الملائكة وغيرها مع السموات والأرض والبحار لأن من لا يقع لما لا يعقل مفردا ثم قال جل وعز {إنا خلقناهم من طين لازب} [آية 11] قال مجاهد أي لازم وقال قتادة أي لازق.
والفراء يذهب إلى أن الباء بدل من الميم وحكي أنه يقال لاتب بمعناه وقال النابغة:
فلا تحسبون الخير لا شر بعده ** ولا تحسبون الشر ضربة لازب

وقوله جل وعز {بل عجبت ويسخرون} [آية 12] قال قتادة بل عجبت من الكتاب والوحي ويسخرون مما جئت به وقيل المعنى بل عجبت من إنكارهم البعث وأنكر شريح أن تقرأ {بل عجبت} بضم التاء وقال إن الله لا يعجب إنما يعجب من لا يعلم.
قال أبو جعفر وهذا الذي قاله لا يلزم وبضم التاء قرأ علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس ومعنى التعجب في اللغة أن ينكر الشئ ويقل في فيتعجب منه فالله جل وعز العالم بالأشياء وبما يكون ولكن لا يقع التعجب إلا بعد الكون فهو منه جل وعلا خلافة من الآدميين لأنه قد علمه قبل وبعد وهو يشبه علم الشهادة كما قال سبحانه {لنعلم أي الحزبين} ويجوز أن يكون المعنى قل بل عجبت.
وقوله جل وعز {وإذا رأوا آية يستسخرون} [آية 14] قال قتادة أي يسخرون وقال مجاهد أي يسخرون ويستهزئون وقيل يستسخرون يستدعون السخري من غيرهم.
وهو قول مجاهد وقتادة ونظيره من كلام العرب قد وأستقر وعجب واستعجب بمعنى واحد وقرأ الكوفة {كأنهم حمر مستنفرة} أي نافرة وقوله جل وعز {قل نعم وأنتم داخرون} [آية 18] المعنى قل نعم تبعثون وأنتم داخرون قال قتادة أي صاغرون.
ثم أخبر أن ذلك يكون زجرة واحدة فقال جل وعز {فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون} أي قد حيوا ينظرون.
وقوله جل وعز {وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين} [آية 20] قال قتادة أي يوم يدين الله جل وعز العباد بأعمالهم ثم قال جل وعز {هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون} [آية 21] أي يقال لهم نعم هذا يوم الفصل أي يوم الفصل بين المحسن والمسئ وقال أبو عبيدة يوم الفصل يوم القضاء وقوله جل {وعز احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم} [آية 23] أي يقال هذا قال عبد الله بن عباس والنعمان بن بشير عن عمر وأزواجهم أي وأشباههم قال أبو جعفر يقال زوجت الناقة بالناقة أي قرنتهما ابن ومنه قيل للرجل زوج وللمرأة زوج ويقال هديته الطريق أي دللته عليه.
وقوله جل وعز {ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون} [آية 26] روى سعيد عن قتادة ما لكم لا تناصرون أي لا يدفع بعضكم عن بعض بل هم اليوم مستسلمون قال أي مستسلمون في العذاب.
وقوله جل وعز {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين} [آية 28] روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال هذا قول الكفار للشياطين وروى سعيد عن قتادة قال هذا قول الإنس للجن قالوا لهم إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين أي من طريق الجنة تثبطوننا عنها وتصدوننا وقيل هذا قول التابعين للمتبعين قال أبو جعفر وهذا يشبه قوله تعالى {وعن أيمانهم} روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى:{وعن أيمانهم} قال أشبه عليهم أمر دينهم قال أبو جعفر وحقيقة معنى إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين والله أعلم إنكم كنتم تأتوننا من الجهة التي هي أقوى الجهات وهي جهة الدين فتشككوننا فيه وقد قيل هذا في قوله جل وعز {والسموات مطويات بيمينه} وهو معروف في كلام العرب والله أعلم بما أراد.
قال الشاعر:
تلقاها عرابة باليمين

فردوا عليهم بأنهم كانوا ضالين فقالوا بل لم تكونوا مؤمنين وما كان لنا عليكم من سلطان قال السدي أي من حجة وقوله جل وعز: {بل كنتم قوما طاغين} أي ضالين {فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون} أي كلنا في العذاب {فأغويناكم إنا كنا غاوين} [آية 32] أي بالوسوسة والاستدعاء.
وقوله جل وعز: {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} [آية 35] أي عن توحيد الله جل وعز.
وقوله جل وعز: {يطاف عليهم بكأس من معين} [آية 45] قال قتادة أي خمر جارية {بيضاء لذة للشاربين} قال الحسن خمر الجنة أشد بياضا من اللبن ثم قال جل وعز: {لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون} [آية 47] روى ابن أبي نجيح عن مجاهد {لا فيها غول} قال لا فيها وجع بطن {ولا هم عنها ينزفون} لا تذهب عقولهم وروى معمر عن قتادة {لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون} قال لا تصدع رؤسهم ولا تذهب محمد عقولهم.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {لا فيها غول} قال يقول ليس فيها صداع {ولا هم عنها ينزفون} قال لا تذهب عقولهم.
قال سعيد بن جبير {لا ينزفون} لا تنزف عقولهم قالوا والغول الأذى المكروه قال أبو جعفر وهذا أجمعها أو أولادها يقال غالته غول أي ذهبت به ذاهبة وقد غاله الشراب واغتاله أي ذهب بعقله أو آذاه ومنه اغتال فلان فلانا ومنه قتله قتل غيلة انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها وأصل نزف نقص والمعنى لا يلحقهم نقصان بسكر ولا غيره فنفى الله جل وعز عنهم السكر لما فيه من الباطل والسفه.
وجملته النقصان ويقرأ {ولا هم عنها ينزفون} وفي معناه قولان أ- أعرفهما أنه يقال أنزف الرجل إذا نفد شرابه والمعنى أنزف شرابه ب- والقول الآخر أنه حكي انه يقال أنزف الرجل إذا سكر وانشد أبو عبيدة للأبيرد:
لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم ** لبئس الندامى كنتم آل أبجرا

فأما نزف الرجل إذا ذهب عقله من السكر فمعروف مسموع من العرب.
وقوله جل وعز: {وعندهم قاصرات الطرف عين} [آية 48] قال قتادة قصرن طرفهن على أزواجهن وروى أبو يحيى عن مجاهد قال قصرن أطرافهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى غيرهم وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال لا يغرن على أزواجهن قال أبو جعفر والقول الأول هو المعروف وأصله من قصرته أي حبسته وقوله تعالى: {عين} قال مجاهد أي حسان العيون وقال السدي {عين} أي عظام الأعين وحكى أهل اللغة أنه يقال رجل أعين وامرأة عيناء أي واسع العين ثم قال جل وعز: {كأنهن بيض مكنون} [آية 49] قال قتادة أي لم تمر به الأيدي يشبهن بياضه يعني قتادة الذي داخل القشر قال أبو جعفر يقال كننت الشئ أي صنته والعرب تشبه المرأة ببيضة النعامة كما قال الشاعر:
كبكر المقاناة أبو البياض بصفرة ** غذاها نمير الماء غير محلل

ثم قال عز وجل {فاقبل بعضهم على بعض يتساءلون} [آية 50] يعني أهل الجنة {قال قائل منهم إني كان لي قرين} [آية 51] قال عطاء الخراساني هذان رجلان أخوان تصدق أحدهما بماله فعيره أخوه وقال له ما قصا الله جل وعز.
وقد روي عن ابن عباس هو الرجل المشرك له صاحب مؤمن قال له هذا قال مجاهد {قرين} أي شيطان ثم قال جل وعز: {يقول أئنك لمن المصدقين} [آية 52] المعنى يقول أئنك لمن المصدقين بأنا مدينون ثم كسرت إن لمجئ اللام قال مجاهد {مدينون} أي محاسبون {قال هل أنتم مطلعون} أي قال الذي في الجنة هل أنتم مشرفون {فاطلع فرآه} أي فأشرف فرأى قرينه {في سواء الجحيم} أي في وسطها قال الذي في الجنة {تالله إن كدت لتردين} أي تهلكني وفي قراءة عبد الله {لتغوين} ثم قال جل وعز: {ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين} [آية 57].
قال قتادة أي لمن المحضرين في النار ثم قال جل وعز: {أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين إن هذا لهو الفوز العظيم} [آية 60] قال قتادة هذا آخر كلامه ثم قال جل وعز: {لمثل هذا فليعمل العاملون} وقوله جل وعز: {أذلك خير نزلا} [آية 62] أذلك خير نزلا ونزلا أي رزقا والنزل أيضا الريع والفضل ثم قال تعالى: {أم شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة للظالمين} [آية 62] قال مجاهد قال أبو جهل ما نعرف الزقوم إلا التمر بالزبد فنتزقم وقال قتادة فتنوا بهذا فقالوا كيف يكون في النار شجرة والنار تأكل الشجر فقال الله عز وجل {إنها شجرة تحرج في أصل الجحيم} أي غذاؤها من النار ومنها خلقت.
ثم قال جل وعز: {طلعها كأنه رؤوس الشياطين} [آية 65] {طلعها} أي ثمرها كأنه أول ما يطلع منها ثم قال: {كأنه رؤوس الشياطين} قال أبو العباس يقال لم تر الشياطين فكيف وقع التشبيه بها؟
وهل يجوز أن يقال كأن زيدا فلان وفلان لا يعرف.
فالجواب أن المقصود هو ما وقع عليه التعارف من المعاني فإذا قيل فلان شيطان فقد علم أن المعنى فلان قبيح خبيث ومنه قولهم تشيطن إذا تخبث كما قال الشاعر:
أيقتلني والمشر في مضاجعي ** ومسنونة زرق كأنياب أغوال

ولم تر الغول قط ولا أنيابها ولكن العرب إذا قبحت المؤنث شبهته بالغول وإذا قبحت المذكر شبهته بالشيطان فهذا جواب صحيح بين وقد قيل هو نبت باليمن قبيح المنظر شبهت به يقال له الأستن والشيطان وليس ذلك بمعروف عند العرب.
قال أبو جعفر وقيل الشياطين ضروب من الحيات قباح.
وقوله جل وعز: {ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم} [آية 67] قال قتادة أي مزاجا قال أبو جعفر يقال شبت الشئ بالشئ أي خلطته به فقيل يراد به هاهنا شرب الحميم.
وقوله جل وعز: {إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون} [آية 70].
معنى {ألفوا} وجدوا قال مجاهد يهرعون كهيئة الهرولة وقال قتادة يسرعون وقيل كأنهم يزعجون من الإسراع.
وقوله جل وعز: {ولقد نادانا نوح وحفل فلنعم المجيبون} [آية 75] قيل بمسألته هلاك قومه فقال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} وقيل المعنى دعا بأن ننجيه من الغرق {ونجيناه وأهله من الكرب العظيم} أي من الغرق.
ثم قال جل وعز: {وجعلنا ذريته هم الباقين} [آية 76] روى سعيد عن قتادة الناس كلهم من ذرية نوح صلى الله عليه وسلم.
ثم قال جل وعز: {وتركنا عليه في الآخرين} [آية 78] قال مجاهد وقتادة أي ثناء وقال محمد بن زيد المعنى وتركنا عليه في الآخرين يقال سلام على نوح في العلمين أي تركنا عليه هذه الكلمة باقية.
وقوله جل وعز: {وإن من شيعته لإبراهيم} [آية 83].
قال مجاهد أي على منهاجه وسنته وقال قتادة على دينه قال أبو جعفر المعنى وإن من شيعة نوح قال الفراء المعنى وإن من شيعة محمد صلى الله عليه وسلم والأول أشبه لأن ذكر نوح قد تقدم.
ثم قال جل وعز: {وإذ جاء ربه بقلب سليم} [آية 84] قال قتادة أي سليم من الشرك وقال عروة بن الزبير لم يلعن شيئا قط فقال الله جل وعز {إذ جاء ربه بقلب سليم}.
وقوله جل وعز: {أئفكا آلهة دون الله تريدون} [آية 86] قال قتادة أي أكذبا.
ثم قال جل وعز: {فما ظنكم برب العالمين} [آية 87] روى سعيد عن قتادة قال أي فما ظنكم برب العالمين وقد عبدتم غيره إذا لقيتموه.
وقوله جل وعز: {فنظر نظرة في النجوم} [آية 88] في معناه ثلاثة أقوال قال الحسن أي تفكر فيما يعمل إذا كلفوه الخروج قال أبو جعفر والمعنى على هذا القول فنظر فيما نجم له من الرأي أي فيما طلع له يقال نجم القرن والنبت إذا طلعا أي فكر فعلم أنه لبد لكل حي من أن يسقم فقال إني سقيم.
قال الخليل يقال للرجل إذا فكر في الشئ كيف يدبره نظر في النجوم وكذلك قال أبو العباس في معنى هذه الاية والقول الثاني أن يكون المعنى فنظر فيما نجم من الأشياء فعلم أن لها خالقا ومدبرا وأنها تتغير وعلم أن ذلك يلحقه فقال إني سقيم والقول الثالث ما رواه سعيد عن قتادة أن سعيد بن المسيب قال نظر إلى نجم فقال إني سقيم فكايد عن دينه قال أبو جعفر والمعنى على هذا القول فعمل ما يعلمون من النظر في النجوم واستدلالهم بها قال سعيد بن جبير والضحاك {فقال إني سقيم} أي مطعون وكانوا يهربون من الطاعون قال الله جل وعز {فتولوا عنه مدبرين}.
وقوله جل وعز: {فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون} [آية 91] أي مال وعدل ومنه الرواغ ثم قال: {ألا تأكلون} تعجبا أي فقرب إليها الطعام فقال: {ألا تأكلون} فلما لم يرها تأكل قال ألا تنطقون؟ وقال أبو مالك جاء إلى آلهتهم وكانوا قد جعلوا بين أيديها طعاما فلما لم تكلمه قال مالكم لا تنطقون فأخذ فأسا فضرب به حافتيها ثم علقه في عنق أكبرها.
وقوله جل وعز: {فراغ عليهم ضربا باليمين} [آية 93] قال أبو جعفر يجوز أن يكون معنى {باليمين} بالقوة كما تقدم ويجوز أن يريد اليد وقيل بيمينه حين قال: {وتالله لاكيدن أصنامكم}.
ثم قال جل وعز: {فأقبلوا إليه يزفون} [آية 94] قال قتادة أي يمشون قال أبو جعفر يقال زف النعام يزف إذا أسرع وذلك في أول عدوه ويقرأ {يزفون} بضم الياء وأكثر اهل اللغة لا يعرفه وقد يجوز أن يكون أزف صادف الزفيف فيكون هذا منه وحكى الكسائي أنه قرئ {يزفون} بتخفيف الفاء وأكثر اهل اللغة لا يعرفه أيضا وحكى بعضهم أنه قال وزف يزف إذا أسرع.
ثم قال جل وعز: {والله خلقكم وما تعملون} [آية 96] قال أبو عبيد أي وما تعملون منه الأصنام وتنحتونه عليه وهو الخشب والحجارة وغيرهما قال قتادة وما تعملون بايديكم ويجوز أن يكون ما نفيا أي وما تعملونه ولكن الله خالقه ويجوز أن يكون بمعنى المصدر أي وعملكم ويجوز أن يكون استفهاما فيه معنى التوبيخ.
وقوله جل وعز: {فأرادوا به كيدا فجعلنا هم الأسفلين} [آية 98] {الأسفلين} الأذلين حجة قال قتادة ما ناظر هم بعد ذلك حتى أهلكهم.